إن جمع القرآن في
مصحف واحد قد مر بثلاث مراحل كما يلي:
المرحلة الأولى: في
عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -:
كان جمع القرآن في
عهده النبوة قد تم بطريقتين:
الطريقة الأولى:
جمع القرآن في صدور
الصحابة حيث كان الكثير من الصحابة يحفظون القرآن.
الطريقة الثانية:
كتابة القرآن في صحف
متفرقة حيث كان الصحابة يكتبون القرآن بأمر الرسول الله صلى الله عليه وسلم على
العسب وهي: جريد النخل، وعلى اللخاف وهي: الحجارة الرقيقة، وعلى الرقاع وهي:
الأوراق وقطع الأديم وهي: الجلد وعظام الأكتاف، والأضلاع، ثم يوضع المكتوب في بيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا انقضى عهد النبوة ولم يجمع القرآن في صحف ولا
في مصاحف، بل كتب منثورًا بين الرقاع والعظام ونحوها.
فائدة: لماذا لم يجمع القرآن في مصحف واحد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
أجاب أهل العلم عن هذا السؤال بأن هذا الجمع لم يتم لأسباب كثيرة يمكن إجمالها فيما يلي:
• أن الكثير من الصحابة كانوا يحفظون القرآن في صدورهم وكانت الفتنة في تحريف القرآن مأمونة.
• قلة توفر أدوات الكتابة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم.
• أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بصدد أن ينزل عليه الوحي بنسخ ما شاء الله تعالى من الآيات.
• أن القرآن لم ينزل جملة واحدة، بل نزل منجمًا على مدى ثلاث وعشرين سنة حسب الحوادث.
المرحلة الثانية: جمع
القرآن في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -:
إن استشهاد الكثير من
الصحابة من حفاظ القرآن لكريم في معركة اليمامة هو الذي جعل عمر - رضي الله عنه -
يشير على أبي بكر الصديق بجمع القرآن، فأمر الصديق - رضي الله عنه - زيد بن ثابت
بجمع القرآن، فأخذ زيد يتتبع القرآن من العسب واللخاف وصدور الرجال فجمع القرآن
كله في مصحف، فكانت هذه الصحف عند أبي بكر الصديق حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى مات
ثم عند حفصة بنت عمر.
فائدة هامة:
إن جمع أبي بكر
الصديق للقرآن كان بسبب خشيته أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته؛ لأنه لم يكن
مجموعًا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبًا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي
- صلى الله عليه وسلم[1].
قال علي بن أبي طالب
- رضي الله عنه -: أعظم الناس أجرًا في المصاحف: أبو بكر، فإنه أول من جمع القرآن
بين اللوحين [2].
المرحلة الثالثة: جمع
القرآن في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه -:
إن أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم كانوا يقرؤون القرآن بعده على الأحرف السبعة التي أقرأهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم بإذن الله عز وجل إلى أن وقع الاختلاف بين القراء في زمن
عثمان رضي الله عنه.
وذلك بعد اتساع رقعة
الدولة الإسلامية ودخول الناس في دين الله أفواجًا وعظم الأمر فيه، وكتب الناس
بذلك من الأمصار إلى عثمان، وناشدوه الله تعالى في جمع الكلمة، وتدارك الناس قبل
تفاقم الأمر، وقدم حذيفة بن اليمان من غزوة أرمينية، فشافهه بذلك فجمع عثمان عند
ذلك المهاجرين والأنصار، وشاورهم في جمع القرآن في المصاحف على حرف واحد؛ ليزول
الخلاف، وتتفق الكلمة، واستصوبوا رأيه، وحضوه عليه، ورأوا أنه من أحوط الأمور
للقرآن، فحينئذ أرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف،
فأرسلت إليه، فأمر زيد بن ثابت، والرهط القريشيين الثلاثة فنسخوها في المصاحف،
وبعث بها إلى الأمصار، وأمر بحرق ما سوى ذلك من المصاحف.
ويجب على كل مسلم أن
يعلم أن ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره الموجود بين أيدينا الذي عارض جبريل به
النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين في العام الأخير من حياته - صلى الله عليه
وسلم.
[3] المصاحف ص 25: ص 34/ فضائل القرآن للقاسم بن سلام ص 152، ص 162/ شرح
السنة للبغوي ج 4 ص 513: ص 526.